منذ أن أعطت صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة إشاراتها الأولية مؤذنة بأنّ النتائج قد لا تتوافق مع ما كان ينتظر ترامب والمراهنين عليه وعلى استمراره، منذ ذاك الحين بدت “جماعة ترامب الدولية” وكأنها دخلت في سباق مع الوقت، وراحت تتحرك في الداخل الأميركي وفي الخارج وبشكل خاص في الشرق الأوسط وبصورة أدقّ ضدّ محور المقاومة وحلفائه، مبدية الخشية من أن تكون فترة بايدن الرئاسية – هذا إذا استتبّ له الأمر – أن تكون فترته غير متوافقة مع مخططاتها ما يمنع استكمال ما بدأه ترامب خدمة لـ “إسرائيل”.
وترجمة لهذا الاستنفار الدولي سجلت مواقف وأفعال وتحركات قام بها كلّ من بومبيو وكوشنر على الصعيد الدبلوماسي، و”إسرائيل” على الصعيد العسكري فضلاً عن قرارات وتحركات سياسية وعسكرية أخرى قامت بها الحكومة والجيش الأميركي بشكل أوحى لبعض المراقبين بأنّ أميركا تعدّ لحرب في المنطقة تستهدف فيها محور المقاومة عامة والبرنامج النووي الإيراني بشكل خاص.
وفي إطار ما ذكرنا تحركت أميركا و”إسرائيل” في الشهر الأخير لانتهاء ولاية ترامب فقامت أميركا بإدراج “أنصار الله” الحزب اليمني المقاوم للعدوان السعودي على اليمن والمدافع عن سيادة اليمن واستقلاله – الحوثيون – على لائحة الإرهاب وأضافت الى لائحة العقوبات الطويلة على إيران هيئات وكيانات جديدة كان من اللافت فيها انّ معظمها لا شأن له بالأمن والاقتصاد لا بل تعمل في المجال الصحي والمعيشي للمواطن. ومن أشدّ الأمثلة على فظاعة الوحشية الأميركية في التعامل مع الشعوب كان إدراج الهيئة الإيرانية للبحث وتصنيع لقاح كورونا على لائحة الإرهاب. هذا فضلاً عن ضغوطها على لبنان من أجل منع تشكيل حكومة فيه، أو منع القيام بأيّ إجراء فعلي يوقف الانهيار النقدي والاقتصادي، من دون أن ننسى الضغط السياسي والاقتصادي على سورية بشكل تصاعدي يدفع ثمنه المواطن السوري.
أما على الصعيد العسكري فقد سجل أولاً تحريك أميركا للأساطيل وللطائرات الاستراتيجية B52 وللغواصات النووية في الخليج مقابل السواحل الإيرانية مترافقة مع أوسع حملة إعلام تهويلي ترمي الى النيل من معنويات إيران وحلفائها وإظهارها أنها مستهدفة بحرب تدميريّة واسعة، خاصة أنّ كوشنر عراب عملية التطبيع العربي مع “إسرائيل” نجح في إجراء المصالحة بين دول الخليج وقطر تمهيداً لتفعيل تحالفها ضدّ إيران، كما وفتح أمامهم باب تجميد الخلافات مع تركيا، كخطوة أولى قد يعقبها ما هو أهمّ.
اما “إسرائيل” فيبدو أنّها في هذه المعمعة تولت أمر الشأن السوري بتعاون أو عمل مشترك مع أميركا، وسجل في هذا الإطار تكثيف عمليات العدوان الجوي على سورية بذريعة استهداف إيران وحلفائها، وقد وسعت “إسرائيل” خريطة المناطق المستهدفة، ترافق ذلك مع إعلان قرارها باستمرار هذه الاعتداءات، إذ وفي وقاحة تتعدّى كلّ درجات الوقاحة السابقة التي اعتادت “إسرائيل” على ممارستها في أدائها العدواني صرّح مسؤول عسكري “إسرائيلي” بأنّ السياسة “الإسرائيلية” العسكرية القائمة الآن حيال سياسة أرسيت على أساس تنفيذ 3 هجمات جوية تدميرية مركزة كلّ 10 أيام، في تصريح أطلقه مباشرة بعد العدوان الذي نفذه الطيران “الإسرائيلي” على أهداف عسكرية سورية في منطقة البوكمال ودير الزور. والذي كان قد سبقه قبل أسبوع تقريباً عدوان على ريف دمشق الجنوبيّ وقبلها في محيط صافيتا.
ترافق كلّ ذلك مع تصعيد للعمليات الإرهابية التي تنفذها خلايا من تنظيم داعش الإرهابي أعادت أميركا جمعها وتنظيمها ودفعها الى الميدان وفقاً لاستراتيجية جديدة ليس فيها السيطرة على مناطق أو القتال على خطوط دفاع ثابتة او إقامة مواقع ومراكز ظاهرة، بل تهدف الى قطع طرق المواصلات ومنع استعادة الحياة الطبيعيّة الى المناطق التي استعاد الجيش السوري السيطرة عليها وطهّرها من الإرهاب.
هذا المشهد المتعدّد الخطوط والدلالات يطرح على المعنيين سؤالين: الأول ماذا تريد أميركا – ترامب ومجموعته الدولية ومَن تجمعهم حولها من ذلك والى ما ترمي من هذه التدابير؟ والثاني يطرح على محور المقاومة وفيه: ماذا على المحور أن يفعل في مواجهة هذا الهجوم العدوانيّ المركب؟
في الإجابة على السؤال الأول نرى انّ الخطة الأميركية الجديدة وضعت على عجل آخذة بعين الاعتبار إمكانية خروج ترامب من البيت الأبيض وإقدام بايدن على الانقلاب على معظم قراراته السابقة، بخاصة أنه أيّ بايدن صرّح جهاراً بهذا الأمر، ولذلك وضعت هذه الخطة من أجل تعقيد مهمة ترامب إذا حاول التراجع، أو فرض أمر واقع على بايدن يستحيل التراجع عنه، لا بل يكون عليه الاستمرار فيه من النقطة التي وصل اليها، وفي هذا الإطار نرى انّ أهداف مجموعة ترامب الدولية من العمل والتحرك المختلط في الشرق الأوسط ترمي الى تحقيق واحد او أكثر مما يلي:
1 ـ استفزاز محور المقاومة واستدراجه الى حرب تبدأ مع “إسرائيل” وتتوسّع بدخول أميركا، وهنا لن يبقى حديث عن تفاوض بين إيران وأميركا ولن يكون حديث عن حلّ سياسي للأزمة السوريّة، بل سيكون الأمر رهن بنتائج الحرب التي تفرض نفسها وآثارها على بايدن. وبذلك تقطع الطريق على عودة بايدن الى الاتفاق النوويّ وتمنعه من رفع العقوبات عن إيران أو تخفيفها عن سورية.
2 ـ إنشاء منطقة خارج السيطرة في سورية تمتدّ من التنف جنوباً حيث القاعدة العسكرية الأميركية، الى البوكمال ودير الزور شمالاً حيث حدود المنطقة الكردية الانفصاليّة وتتمدّد الى عمق البادية السورية، منطقة تتحوّل الى مسرح عمليات داعش بعد إعادة تنظيمها وتشغيلها أميركياً ودعمها “إسرائيلياً” بسلسلة الغارات على منطقة دير الزور والبوكمال، منطقة يكون من شأنها قطع الاتصال بين سورية والعراق ومنع إمكانية الاتصال البري بين مكوّنات محور المقاومة فضلاً عن حرمان سورية من مواردها الطبيعية في الجزيرة وشرقي الفرات.
3 ـ إرساء معادلة تقاسم السيطرة والنفوذ بين قسد وتركيا في الشمال والشمال الشرقي السوري ومنع عودة الدولة السورية إليها مهما كلف الأمر.
4 ـ إرساء قاعدة “لا حلّ في سورية بوجود إيران وحلفائها” والعمل عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لتحقيقه.
5 ـ إشغال الجيش السوري في المنطقة الشرقية والوسطى لمنعه من إطلاق عملية تحرير إدلب، خاصة أن “مجموعة ترامب الدولية” ترى أنّ بادين لن يكون مرحباً او مرتاحاً للدور الروسي في سورية.
6 ـ قطع الطريق على أيّ حلّ سياسي في اليمن لا يضمن مصالح السعوديّة عامة ومحمد بن سلمان خاصة.
وإذا كانت هذه هي أهداف الموجة العدوانية الجنونية الأميركية الإسرائيلية الحالية، ما المطلوب من محور المقاومة أن يفعل؟ هنا نرى انّ على محور المقاومة أن يواجه الخطة بخطة او استراتيجية تتضمّن ما يلي:
أ ـ رفع درجة الجهوزية والاستعداد للحرب الشاملة والمفتوحة وإظهار القوة في ذلك، ونرى أنّ ما قامت به إيران وما أعلنه الإمام الخامنئي يعتبر سلوكاً مثالياً في إطار الردّ على خطة العدوان، حيث إنّ سلسلة المناورات التي أجريت وموقف مرشد الثورة والدولة، ساهم بشكل كبير في تعطيل أهداف الحرب النفسية التي تدار الآن، كما أنّ القرارات حول التخصيب او مدى الالتزام بالاتفاق النووي كانت بالغة الأثر في هذا الإطار.
ب ـ عدم الوقوع في فخ الاستدراج الى الحرب وممارسة الصبر الاستراتيجي الفاعل والعميق الى الحدّ الأقصى حتى بلوغ نهاية ولاية ترامب، وبعدها يكون لكلّ حادث حديث.
ج ـ التشدّد في سورية في ملاحقة خلايا داعش المستجدّة ومنع تشكل حالة فقدان السيطرة على البادية وطريق تدمر البوكمال أو خروج الجيش من الحسكة وشرقي الفرات.
د ـ التحضير الحثيث لإطلاق معركة تحرير إدلب في الوقت المناسب.
وفي تقييم أوّلي نقول إنّ خطة “مجموعة ترامب الدولية” ورغم ما نفذ منها وهو كثير نسبياً، فهي حتى اللحظة لا يبدو أنها سلكت طريق النجاح والأيام المتبقية لن تعطيها الفرص الكافية لتحقيق المبتغى… وتبقى العين على الداخل الأميركي وما سيكون عليه من احتمالات وسيناريوات لأنه حتى اللحظة لا يمكن القول بانّ “شر ترامب” توقف وأثره انقطع…